فصل: يوم الاثنين ثالثة حضر المرسل من الجهة القبلية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 يوم الاثنين ثالثة حضر المرسل من الجهة القبلية

وصحبته صالح آغا الوالي بجوابات‏.‏

حاصلها أنهم يطلبون من طحطا الى قبلي ويطلبون حريمهم وأن يردوا لهن ما أخذوه من بلادهن وكذلك يطلبون أتباعهم ومماليكهم الذين أرسلوهم الى الاسكندرية فإن أجيبوا الى ذلك لا يتعدون بعدها على شيء أصلًا فلما قرئت المكاتبة بحضرة الجمع في الديوان قال اسمعيل بك للباشا‏:‏ لا يمكن ذلك ولا يتصور أبدًا وإلا افعلوا ما بدا لكم ولا علاقة لي ولا أكتب فرمانًا فإني أخاف على نفسي إن زدتهم على ما أعطاهم حسن باشا ولابد من دفعهم الميري ثم كتبوا لهم جوابًا وسافر به صالح آغا المذكور وآخر من طرف اسمعيل بك‏.‏

وفي يوم السبت ثامنه وقع بين أهل بولاق وبين العسكر معركة بسبب إفسادهم وتعديهم وفسقهم مع النساء وأذية السوقة وأصحاب الحوانيت وخطفهم الأشياء بدون ثمن فاجتمع جمع من أهل بولاق وخرجوا الى خارج البلدة يريدون الذهاب الى اباشا يشكون ما نزل بهم من البلاء فلما علم عسكر القليونجية ذلك اجتمعوا بأسلحتهم وحضروا إليهم وقاتلوهم وانهزم القليونجية فنزل الآغا وتلافى الأمر وأخذ بخاطر العامة وسكن الفتنة وخاطب العسكر ووبخهم على أفعالهم‏.‏

وفي يوم الاثنين سابع عشره حضر صالح آغا بجواب وأخبر بصلح الأمراء القبليين على أن يكون لهم من أسيوط وما فوقها ويقوموا بدفع ميري البلد وغلالها ولا يتعدوا بعد ذلك وأنهم يطلبون أناسًا من كبار الوجاقات والعلماء ليقع الصلح بأيديهم فعمل الباشا ديوانًا وأحضر الأمراء والمشايخ واتفقوا على إرسال الشيخ محمد الأمير واسمعيل أفندي الخلوتي وآخرين وسافروا في يوم الأربعاء تاسع عشره‏.‏

وفي خامس عشرينه هبت رياح عاصفة جنوبية حارة واستمرت اثني عشر يومًا واستهل شهر جمادى الثانية بيوم الأحد فيه ورد الخبر بأن جماعة من الأمراء القبليين حضروا الى بني سويف‏.‏

وفي ثالثه وصل الخبر بأن مراد بك حضر أيضًا الى بني سويف في نحو الأربعين فشرع المصريون في التشهيل والاهتمام وأخرجوا خيامهم ووطاقهم الى ناحية البساتين وفي يوم الخميس طلع الأمراء الى الباشا وتكلموا معه وأخبروه بما ثبت عندهم من زحف الجماعة الى بحري وطلبوه للنزول صحبتهم فقال لهم‏:‏ حتى ترجع الرسل بالجواب أو نرسل لهم جوابًا آخر وننظر جوابهم فامتثلوا الى رأيه فكتب مكتوبًا مضمونه‏:‏ إنكم طلبتم الصلح مرارًا وأجبناكم بما طلبتم وأعطيناكم ما سألتم ثم بلغنا أنكم زحفتم ورجعتم الى بني سويف فما عرفنا أي شيء هذا الحال والقصد أنكم تعرفونا عن قصدكم وكيفية حضوركم إن كنتم نقضتم الصلح وإلا لا فترجعوا الى ما حددناه لكم وما وقع عليه الاتفاق وأرسله صحبة مرسل من وفي يوم الجمعة سحبوا الشركفلكات من بولاق وذهبوا بها الى الوطاق وشرع اسمعيل بك في عمل متاريس عند طراو المعصرة وكذلك في بر الجيزة وجمع البنائين والفعلة والرجال وأمر بحفر خندق وبنى أبراجًا من حجر وحيطانًا لنصب المدافع والمتاريس في البرين‏.‏

وفي يوم الخميس ثاني عشره حضر الشيخ محمد الأمير ومن بصحبته وأخبروا أنهم تركوا ابراهيم بك ومراد بك في بني سويف وأربعة من الأمراء وهم سليمان بك الآغا وابراهيم بك الوالي وأيوب بك الصغير وعثمان الشرقاوي بزاوية المصلوب وحاصل جوابهم إن يكن صلح فليكن كاملًا ودمنا في دمهم وعفا الله عما سلف فإن لم يرضوا بذلك فليستعدوا للقاء وهذا آخر الجواب والسلام وأرسلوا جوابات بمعنى ذلك الى المشايخ وعلى أنهم يسعون في الصلح أو يخرجوا لهم على الخيل كما هي عادة المصريين في الحروب‏.‏

وفي هذه الأيام حصل وقف حال وضيق في المعايش وانقطاع للطرق وعدم أمن ووقوف العربان ومنع السبل وتعطيل أسباب وعسر في الأسفار برًا وبحرًا فاقتضى رأي الشيخ العروسي أنه يجتمع مع المشايخ ويركبون الى الباشا ويتكلمون معه في شأن هذا الحال فاستشعر اسمعيل بك بذلك فدبج أمرًا وصور حضور ططري من الدولة وعلى يده مرسوم فأرسل الباشا في عصر يوم الجمعة للمشايخ والوجاقلية وجمعهم وقرأوا عليهم ذلك الفرمان ومضمونه الحث والأمر والتشديد على محاربة الأمراء القبالي وطردهم وإبعادهم فلما فرغوا من ذلك تكلم الشيخ العروسي وقال‏:‏ خبرونا عن حاصل هذا الكلام فإننا لا نعرف بالتركي فأخبروه فقال‏:‏ ومن المانع لكم من الخروج وقد ضاق الحال بالناس ولا يقدر أحد من الناس أن يصل الى بحر النيل وقربة الماء بخمسة عشر نصف فضة وحضرة اسمعيل بك مشتغل ببناء حيطان ومتاريس وهذه ليست طريقة المصريين في الحروب بل طريقتهم في المصادمة وانفصال الحرب في ساعة إما غالب أو مغلوب وأما هذا الحال فإنه يستدعي طولًا وذلك يقتضي الخراب والتعطيل ووقف الحال فقال الباشا‏:‏ أنا ما قلت لكم هذا الكلام أولًا وثانيًا هيا شهلوا أحوالكم ونبهوا على الخروج يوم الاثنين وأنا قبلكم‏.‏

وفي ليلة الاثنين حضر شخصان من الططر ودخلا من باب النصر وأظهرا أنهما وصلا من الديار الرومية على طريق الشام وعلى يدهما مرسوما حاصلها الإخبار بحضور عساكر برية وعليهم باشا كبير وذلك أيضًا لا أصل له ونودي في ذلك اليوم بالخروج الى المتاريس وكل من خرج يطلع أولًا الى القلعة ويأخذ نفقة من باب مستحفظان وقدرها خمسة عشر ريالًا فطلع منهم حملة وأخذوا نفقاتهم وخرجوا الى المتاريس بالجيزة‏.‏

وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه وردت مكاتبات من الديار الحجازية وأخبروا فيها بوفاة وفي ليلة الأحد تاسع عشرينه مات ابراهيم بك قشطة صهر اسمعيل بك مطعونًا وفيه عزل اسماعيل بك المعلم يوسف كساب الجمركي بديوان بولاق ونفاه الى بلاد الإفرنج وقيل إنه غرقه ببحر النيل وقلد مكانه مخاييل كحيل على عشرين ألف ريال دفعها واستهل شهر رجب بيوم الثلاثاء‏.‏

وفي كل يوم ينادي المنادي بالخروج ويهدد من تخلف واستمروا متترسين بالبرين وبعض الأمراء ناحية طرا وبعضهم بمصر القديمة في خلاعاتهم وبعضهم بالجيزة كذلك الى أن ضاق الحال بالناس وتعطلت الأسفار وانقطع الجالب من قبلي وبحري وأرسل اسمعيل بك الى عرب البحيرة والهنادي فحضروا بجمعهم وأخلاطهم وانتشروا في الجهة الغربية من رشيد الى الجيزة ينهبون البلاد ويأكلون الزروعات ويضربون المراكب في البحر ويقتلون الناس حتى قتلوا في يوم واحد من بلد النجيلة نيفًا وثلثمائة إنسان وكذلك فعل عرب الشرق والجزيرة بالبر الشرقي وكذلك رسلان وباشا النجار بالمنوفية فتعطل السير برًا وبحرًا ولو بالخفارة حتى أن الإنسان يخاف أن يذهب من المدينة الى بولاق أو خارج باب النصر وفي يوم السبت خامسه نهب سوق انبابة وفيه قتل حمزة كاشف المعروف بالدويدار رجلًا نصرانيًا روميًا صائغًا اتهمه مع حريمه فقبض عليه وعذبه أيامًا وقلع عينيه وأسنانه وقطع أنفه وشفتيه وأطرافه حتى مات بعد أن استأذن فيه حسن بك الجداوي وعندما قبض عليه أرسل حسن بك ونهب باقي حانوته من جوهر ومصاغ الناس وغير ذلك وطلق الزوجة بعد أن أراد قتلها فهربت عند الست نفيسة زوجة مراد بك‏.‏

وفي يوم الأحد أخذ اسمعيل بك فرمانًا من الباشا بفردة على البلاد لسليم بك أمير الحاج ليستعين بها على الحج وقرر على كل بلدة مائة ريالًا وجملًا‏.‏

وفي يوم الثلاثاء اجتمع الأمراء والوجاقلية والمشايخ بقصر العيني فأظهر لهم اسمعيل بك الفرمان وعرفهم احتياج الحال لذلك فقام الاختيارية وأغلظوا عليه ومانعوا في ذلك‏.‏

وفي يوم الخميس سابع عشره وصل نحو الألف من عسكر الأرنؤد الى ساحل بولاق وعليهم كبير يسمى اسمعيل باشا فخرج اسمعيل بك وحسن بك وعلي بك ورضوان بك لملاقته ومدوا له سماطًا عند مكان الحلي القديم‏.‏

وفي يوم الجمعة ثامن عشره أمطرت السماء من بعد الفجر الى العشاء وأطبق الغيم قبل الغروب وأرعد رعدًا قويًا وأبرق برقًا ساطعًا ثم خرجت فرتونة نكباء شرقية شمالية واستمر البرق والمطر يتسلسل غالب الليل وكان ذلك سابع عشر برموده وخامس عشر نيسان وخامس درجة من برج الثور فسبحان الفعال لما يريد‏.‏

وفي يوم الأحد عشرينه كان عيد النصارى وفيه تقررت الفردة المذكورة وسافر لقبضها سليم بك أمين الحج ولم يفد من قيام الوجاقلية وسعيهم في إبطالها شيء فإنهم لما عارضوا في ذلك فتح عليهم طلب المساعدة وليس بأيدي الملتزمين شيء يدفعونه فقال‏:‏ إذا كان كذلك فإننا نقبضها من ابلدا فلم يسعهم إلا الإجابة‏.‏

وفي يوم الاثنين حضر الى ثغر بولاق آغا أسود وعلى يده مقرر لعابدي باشا وخلعة لشريف مكة فطلع عابدي باشا الى القلعة وعمل ديوانًا في يوم الثلاثاء واجتمع الأمراء والمشايخ والقاضي وقرأوا المقرر ووصل صحبة الآغا المذكور ألف قرش رومي أرسلها حضرة السلطان تفرق على طلبة العلم بالأزهر ويقرأون له صحيح البخاري ويدعون له بالنصر وفي يوم الأربعاء قتل اسمعيل باشا كبير الأرنؤد رئيس عسكره وكان يخشاه ويخاف من سطوته قيل إنه أراد أن يأخذ العسكر ويذهب بهم الى الأمراء القبليين رغبة في كثرة عطائهم فطالبه بنفقة وألح عليه وقال له إن لم تعطهم هربوا حيث شاؤوا فحضر عنده وفاوضه في ذلك فلاطفه وأكرمه واختلى به واغتاله وقطع رأسه وألقاها من الشباك لجماعته‏.‏

وفي يوم الجمعة كتبوا قائمة أسماء المجاورين والطلبة وأخبروا الباشا أن الألف قرش لا تكفي طائفة من المجاورين فزادها ثلاثة آلاف قرش من عنده فوزعوها بحسب الحال أعلى وأوسط وأدنى فخص الأعلى عشرون قرشًا والأوسط عشرة والأدنى أربعة وكذلك طوائف الأروقة بحسب الكثرة والقلة ثم أحضروا أجزاء البخاري وقرأوا وصادف ذلك زيادة أمر الطاعون والكروب المختلفة‏.‏

وفي يوم الاثنين ثامن عشرينه توفي صاحبنا حسن أفندي قلفة الغربية وتقلد عوضه صهره مصطفى أفندي ميسو كاتب اليومية وفيه توفي أيضًا خليل أفندي البغدادي الشطرنجي‏.‏

واستهل شهر شعبان بيوم الأربعاء فيه عدى بعض الأمراء بخيامهم الى البر الغربي ثم رجعوا في ثانيه ثم عدى البعض ورجع البعض وكل ذلك إيهامات بالسفر وتمويهات من اسمعيل بك وفي الحقيقة قصده عدم الحركة وضاقت أنفس المقيمين بالمتاريس وقلقوا من طول المدة وتفرق غالبهم ودخلوا المدينة‏.‏

وفي خامسه حضر الى مصر رجل هندي قيل إنه وزير سلطان الهند حيدر بك وكان قد ذهب الى سلامبول بهدية الى السلطان عبد الحميد ومن جملتها منبر وقبلة مصنوعان من العود الفاقلي صنعة بديعة وهما قطع مفصلات يجمعها شناكل وأغربة من فضة وذهب وسرير يسع ستة أنفار وطائران يتكلمان باللغة الهندية خلاف الببغا المشهور وأنه طلب منه إمدادًا يستعين به على حرب أعدائه الانكليز المجاورين لبلاده فأعطاه مرسومات الى الجهات بالإذن لمن يسير معه فسار الى الاسكندرية ثم حضر الى حصر وسكن ببولاق وهو رجل كالمقعد يجلس على كرسي من فضة ويحمل على الأعناق وقد ماتت العساكر التي كانت معه ويريد اتخاذ غيرها من أي جنس كان وكل من دخل فيهم برسم الخدمة وسموه بعلامة في جبهته لا تزول فنفرت الناس من ذلك وملابسهم مثل ملابس الإفرنج وأكثرها من شيث هندي مقمطة على أجسامهم وعلى رأسهم شقات إفرنجية‏.‏

وفي ليلة الجمعة سابع عشره خرج الأمراء بعد الغروب وأشيع وصل القبليين وهجومهم على المتاريس‏.‏

وفي صبحها حصلت زعجة وضجة وهرب الناس من القرافتين ونودي بالخروج فلم يخرج أحد ثم برد هذا الأمر‏.‏

وفي تلك الليلة ضربوا أعناق خمسة أشخاص من أتباع الشرطة يقال لهم البصاصون وسبب ذلك أنهم أخذوا عملة وأخفوها من حاكمهم واختصوا بها دونه ولم يشركوه معهم‏.‏

وفي سابع عشرينه مات محمد آغا مستحفظان المعروف بالمتيم‏.‏

وفي يوم الأربعاء تاسع عشرينه كسفت الشمس وقت الضحوة الكبرى وكان المنكسف منها نحو الثلاثة أرباع وأظلم الجو إلا يسيرًا ثم انجلى ذلك عند الزوال‏.‏

وفي ثالثه قلدوا اسمعيل بك خازندار اسمعيل بك الذي كان زوجه بإحدى زوجات أحمد كتخدا المجنون أغات مستحفظان وقلدوا خازندار حسن بك الجداوي واليًا عوضًا عن اسمعيل آغا الجزايرلي لعزله‏.‏

وفي ثاني عشره حضر ابراهيم كاشف من اسلامبول وكان اسمعيل بك أرسله بهدية الى الدولة فأوصلها ورجع الى مصر بجوابات القبول وأنه لما وصل الى اسلامبول وجد حسن باشا نزل الى المراكب مسافرًا الى بلاد الموسقو وبينه وبين اسلامبول نحو أربع ساعات فذهب إليه وقابله ورجع معه في شكتربة الى اسلامبول وطلع الهدية بحضرته وقد كان أشيع هناك بأن ابراهيم بك ومراد بك دخلا مصر وخرج من فيها وحصل هناك هرج عظيم بسبب ذلك فلما وصل ابراهيم كاشف هذا بالهدية حصل عندهم اطمئنان وتحققوا منه عدم صحة ذلك الخبر وفي رابع عشرينه نهب العرب قافلة التجار والحجاج الواصلة من السويس وفيها شيء كثير جدًا من أموال التجار والحجاج ونهب فيها للتجارب خاصة ستة آلاف جمل ما بين قماش وبهار وبن وأقمشة وبضائع وذلك خلاف أمتعة الحجاج وسلبوهم حتى ملابس أبدانهم وأسروا النساء وأخذوا ما عليهن ثم باعوهن لأصحابهن عرايا وحصل لكثير من الناس وغالب التجار الضرر الزائد ومنهم من كان جميع ماله بهذه القافلة فذهب جميعه ورجع عريانًا أو وفي خامس عشرينه وقع بين طائفة المغاربة الحجاج النازلين بشاطئ النيل ببولاق وبين عسكر القليونجية مقاتلة وسبب ذلك أن المغاربة نظروا بالقرب منهم جماعة من القليونجية المتقيدين بقليون اسمعيل بك ومعهم نساء يتعاطون المنكرات الشرعية فكلمهم المغاربة ونهوهم عن فعل القبيح وخصوصًا في مثل هذا الشهر أو أنهم يتباعدون عنهم فضربوا عليهم طبنجات فثار عليهم المغاربة فهرب القليونجية الى مراكبهم فنط المغاربة خلفهم واشتبكوا معهم ومسكوا من مسكوه وذبحوا من ذبحوه ورموه الى البحر وقطعوا حبال المراكب ورموا صواريها وحصلت زعجة في بولاق تلك الليلة وأغلقوا الدكاكين وقتل من القليونجية نحو العشرين ومن المغاربة دون ذلك فلما بلغ اسمعيل بك ذلك اغتاظ وأرسل الى المغاربة يأمرهم بالانتقال من مكانهم فانتقلوا الى القاهرة وسكنوا بالخانات فلما كان ثاني يوم نزل الآغا والوالي وناديا في الأسواق على المغاربة الحجاج بالخروج من المدينة الى ناحية العادلية ولا يقيموا بالبلد وكل من آواهم يستأهل ما يجري عليه فامتنعوا من الخروج وقالوا كيف نخرج الى العادلية ونموت فيها عطشًا وذهب منهم طائفة الى اسمعيل كتخدا حسن باشا فأرسل الى اسمعيل بك بالروضة يترجى عنده فيهم فامتنع ولم يقبل الشفاعة وحلف أن كل من مكث منهم بعد ثلاثة أيام قتله فتجمعوا أحزابًا واشتروا أسلحة وذهب منهم طائفة الى الشيخ العروسي والشيخ محمد بن الجوهري فتكلموا مع وفي أواخره ورد خبر من دمياط بأن النصارى أخذوا من على ثغر دمياط اثني عشر مركبًا واستهل شهر شوال بيوم السبت في رابعه حضر سليم بك من سرحته وفي خامسه أرسل الآغا بعض أتباعه بطلب شخصين من عسكر القليونجية من ناحية بين السورين بسبب شكوى رفعت إليه فيهما فضرب أحدهما أحد المعينين فقتله فقبضوا عليه ورموا عنقه أيضًا بجانبه وفيه حضر طائفة العربان الذين نهبوا القافلة الى مصر وهم من العيايدة وقابلوا اسمعيل بك وصالحوه على مال وكذلك الباشا واتفقوا على شيل ذخيرة أمير الحاج وخلع عليهم ولما نهبت القافلة اجتمع الأكابر والتجار وذهبوا الى اسمعيل بك وشكوا إليه ما نزل بهم فوبخهم وأظهر الشماتة فيهم وصارت يده ترتعش من الغيظ وخرجوا من بين يديه آيسين والحاضرون يلطفون له القول ويأخذون بخاطره وهو لا ينجلي عنه الغيظ‏.‏

وفي يوم السبت ثامنه نزلوا بكسوة الكعبة من القلعة الى المشهد الحسيني على العادة وفي ليلة الثلاثاء حادي عشره في ثالث ساعة من الليل حصلت زعجة عظيمة وركب جميع الأمراء وخرجوا الى المتاريس وأشيع أن الأمراء القبليين عدوا الى جهة الشرق وركب الوالي والآغا وساروا يفتحون الدروب بالعتالات ويخرجون الأجناد من بيوتهم الى العرضي وباتوا بقية الليل في كركبة عظيمة وأصبح الناس هايجين والمناداة متتابعة على الناس والألضاشات والأجناد والعسكر بالخروج وظن الناس هجوم القبليين ودخولهم المدينة فلما كان أواخر النهار حصلت سكتة وأصبحت القضية باردة وظهر أن بعضهم عدى الى الشرق وقصدوا الهجوم على المتاريس غفلة من الليل فسبق العين بالخبر فوقع ما ذكر فلما حصل ذلك رجعوا الى بياضة وشرعوا في بناء المتاريس ثم تركوا ذلك وترفعوا الى فوق ولم يزل المصريون مقيمين بطرا ما عدا اسمعيل بك فإنه رجع بعد يومين لأجل تشهيل الحاج‏.‏

ثم استهل شهر القعدة بيوم الاثنين في ذلك اليوم رسموا بنفي سليمان بك الشابوري الى المنصورة وتقاسموا بلاده‏.‏

وفيه رجع الأمراء من المتاريس الى مصر القديمة كما كانوا ولم يبق بها إلا المرابطون قبل ذلك‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ثار جماعة الشوام وبعض المغاربة بالأزهر على الشيخ العروسي بسبب الجراية وقفلوا في وجهه باب الجامع وهو خارج يريد الذهاب بعد كلام وصياح ومنعوه من الخروج فرجع الى رواق المغاربة وجلس به الى الغروب ثم تخلص منهم وركب الى بيته ولم يفتحوا الجامع وأصبحوا فخرجوا الى السوق وأمروا الناس بغلق الدكاكين وذهب الشيخ الى اسمعيل بك وتكلم معه فقال له‏:‏ أنت الذي تأمرهم بذلك وتريدون تحريك الفتن علينا ومنكم أناس يذهبون الى أخصامنا ويعودون فتبرأ من ذلك فلم يقبل وذهب أيضًا وصحبته بعض المتعممين الى الباشا بحضرة اسمعيل بك فقال الباشا مثل ذلك وطلب الذين يثيرون الفتن من المجاورين ليؤدبهم وينفيهم فمانعوا في ذلك ثم ذهبوا الى علي بك الدفتردار وهو الناظر على الجامع فتلا في القضية وصالح اسمعيل بك وأجروا لهم الأخبار بعد مشقة وكلام من جنس ما تقدم وامتنع الشيخ العروسي من دخول الجامع أيامًا وقرأ درسه بالصالحية‏.‏

وفي يوم الأحد رابع عشره الموافق لثالث عشر مسرى القبطي أوفى النيل أذرعه وركب الباشا في صبحها وكسر سد الخليج‏.‏

وفي عشرينه انفتح سد ترعة مويس فأحضر اسمعيل بك عمر كاشف الشعراوي وهو الذي كان تكفل بها لأنه كاشف الشرقية ولامه ونسبه للتقصير في تمكينها وألزمه بسدها فاعتذر بعدم الإمكان وخصوصًا وقد عزل من المنصب وأعوانه صاروا مع الكاشف الجديد فاغتاظ منه وأمر بقتله فاستجار برضوان كتخدا مستحفظان فشفع فيه وأخذه عنده وسعى في جريمته وصالح عليه‏.‏

شهر الحجة في غرته حضر قليونان روميان الى بحر النيل ببولاق يشتمل أحدهما على أحد وعشرين مدفعًا والثاني أقل منه اشتراهما اسعيل بك‏.‏

وفيه زاد سعر الغلة ضعف الثمن بسبب انقطاع الجالب‏.‏

وفي رابع عشره عمل الباشا ديوانًا بقصر العيني وتشاوروا في خروج تجريدة وشاع الخبر بزحف القبليين‏.‏

وفي يوم الأربعاء سادس عشره عمل الباشا ديوانًا بقصر العيني جمع به سائر الأمراء والوجاقلية والمشايخ بسبب شخص الجي حضر بمكاتبات من قرال الموسقو ولحضوره نبأ ينبغي ذكره كما نقل إلينا وهو أن قرال الموسقو لما بلغه حركة العثمنلي في ابتداء الأمر على مصر أرسل مكاتبة الى أمراء مصر على يد القنصل المقيم بثغر اسكندرية يحذرهم من ذلك ويحضهم على تحصين الثغر ومنع حسن باشا من العبور فحضر القنصل الى مصر واختلى بهم وأطلعهم على ذلك فأهملوه ولم يلتفتوا إليه ورجع من غير رد جواب وورد حسن باشا فعند ذلك انتبهوا وطلبوا القنصل فلم يجدوه وجرى ما جرى وخرجوا الى قبلي وكاتبوا القنصل فأعاد الرسالة الى قراله وركب هجانًا واجتمع بهم ورجع وصادف وقوع الواقعة بالمنشية في السنة الماضية وكانت الهزيمة على المصريين وشاع الخبر في الجهات بعودهم وقد كان أرسل لنجدتهم عسكرًا من قبله ومراكب ومكاتبات صحبة هذا الالجي فحضر الى ثغر دمياط في أواخر رمضان فرأى انعكاس الأمر فعربد بالثغر وأخذ عدة نقاير كما ذكر ورجع الى مرساه أقام بها وكاتب قراله وعرفه صورة الحال وأن من بمصر الآن من جنسهم أيضًا وأن العثمنلي لم يزل مقهورًا معهم فأجمع رأيه على مكاتبة المستقرين وإمدادهم فكتب إليهم وأرسلها صحبة هذا الالجي وحضر الى دمياط وأنفذ الخبر سرًا بوصوله وطلب الحضور بنفسه فأعلموا الباشا بذلك سرًا وأرسلوا إليه بالحضور فلما وصل الى شلقان خرج إليه اسمعيل بك في تطريدة كان لم يشعر به أحد وأعد له منزلًا ببولاق وحضر به ليلًا وأنزله بذلك القنان ثم اجتمع به صحبة علي بك وحسن بك ورضوان بك وقرأوا المكاتبات بينهم فوصل إليهم عند ذلك جماعة من أتباع الباشا وطلبوا ذلك الالجي عند الباشا وذلك بإشارة خفية بينهم وبين الباشا فركبوا معه الى قصر العيني وأرسل الباشا في تلك الليلة التنابيه لحضور الديوان في صبحها فلما تكاملوا أخرج الباشا تلك المراسلات وقرئت في المجلس والترجمان يفسرها بالعربي‏.‏

وملخصها خطاب الى الأمراء المصرية أنه بلغنا صنع بن عثمان الخائن الغدار معكم ووقوع الفتن فيكم وقصده أن بعضكم يقتل بعضًا ثم لا يبقى على من يبقى منكم ويملك بلادكم ويفعل بها عوائله من الظلم والجور والخراب فإنه لا يضع قدمه في قطر إلا ويعمه الدمار الخراب فتيقظوا لأنفسكم واطردوا من حل ببلادكم من العثمانية وارفعوا بنديرتنا واختاروا لكم رؤساء منكم‏.‏

وحصنوا ثغوركم وامنعوا من يصل إليكم منهم إلا من كان بسبب التجارة ولا تخشوه في شيء فنحن نكفيكم مؤنته وانصبوا من طرفكم حكامًا بالبلاد الشامية كما كانت في السابق ويكون لنا أمر بلاد الساحل والواصل لكم كذا وكذا مركبًا وبها كذا من العسكر والمقاتلين وعندنا من المال والرجال ما تطلبون وزيادة على ما تظنون فلما قرئ ذلك اتفقوا على إرسالها الى الدولة فأرسلت في ذلك اليوم صحبة مكاتبة من الباشا والأمراء وأنزلوا ذلك الالجي في مكان بالقلعة مكرمًا‏.‏

وفي يوم الاثنين وجهوا خمسة من المراكب الرومية الى جهة قبلي وأبقوا إثنين وأرسلوا بها عثمان بك طبل الاسماعيلي وعساكر رومية والله أعلم‏.‏

وانقضت هذه السنة‏.‏

من مات في هذه السنة ممن له ذكر مات الإمام العلامة أحد المتصدرين وأوحد العلماء المتبحرين حلال المشكلات وصاحب التحقيقات الشيخ حسن بن غالب الجداوي المالكي الأزهري ولد بالجدية في سنة 1128 وهي قرية قرب رشيد وبها نشأ وقدم الجامع الأزهر فتفقه على بلدية الشيخ شمس الدين محمد الجداوي وعلى أفقه المالكية في عصره السيد محمد بن محمد السلموني وحضر على الشيخ علي خضر العمروسي وعلى السيد محمد البليدي والشيخ علي الصعيدي أخذ عنهم الفنون بالإتقان ومهر فيها حتى عد من الأعيان ودرس في حياة شيوخه وأفتى وهو شيخ بهي الصورة طاهر السريرة حسن السيرة فصيح اللهجة شديد العارضة يفيد الناس بتقريره الفائق ويحل المشكلات بذهنه الرائق وحلقة درسه عليها الخفر وما يلقيه كأنه نثار جواهر ودرر وله مؤلفات وتقييدات وحواش وكان له وظيفة الخطابة بجامع مرزه جربجي ببولاق ووظيفة تدريس بالسنانية أيضًا وينزل الى بلده الجدية في كل سنة مرة ويقيم بها أيامًا ويجتمع عليه أهل الناحية ويهادونه ويفصلون على يديه قضاياهم ودعاويهم وأنكحتهم ومواريثهم ويؤخرون وقائعهم الحادثة بطول السنة الى حضوره ولا يثقون إلا بقوله ثم يرجع الى مصر بما اجتمع لديه من الأرز والسمن والعسل والقمح وغير ذلك ما يكفي عياله الى قابل مع الحشمة والعفة توفي بعد أن تعلل أشهرًا في أواخر شهر ذي الحجة وجهز وصلي عليه بالأزهر بمشهد حافل ودفن عند شيخه الشيخ محمد الجداوي في قبر أعده لنفسه رحمه الله تعالى‏.‏

ومات الإمام العلامة الفقيه المحدث النحوي الشيخ حسن الكفراوي الشافعي الأزهري ولد ببلده كفر الشيخ حجازي بالقرب من المحلة الكبرى فقرأ القرآن وحفظ المتون بالمحلة ثم حضر الى مصر وحضر شيوخ الوقت مثل الشيخ أحمد السجاعي والشيخ عمر الطحلاوي والشيخ محمد الحفني والشيخ علي الصعيدي ومهر في الفقه والمعقول وتصدر ودرس وأفتى واشتهر ذكره ولازم الأستاذ الحفني وتداخل في القضايا والدعاوى وفصل الخصومات بين المتنازعين وأقبل عليه الناس بالهدايا والجعالات ونما أمره وراش جناحه وتجمل بالملابس وركوب البغال وأحدق به الأتباع واشترى بيت الشيخ عمر الطحلاوي بحارة الشنواني بعد موت ابنه سيدي علي فزادت شهرته ووفدت عليه الناس وأطعم الطعام واستعمل مكارم الأخلاق ثم تزوج ببنت المعلم درع الجزار بالحسينية وسكن بها فجيش عليه أهل الناحية وأولو النجدة والزعارة والشطارة وصار له بهم نجدة ومنعة على من يخالفه أو يعانده ولو من الحكام وتردد الى الأمير محمد بك أبي الذهب قبل استقلاله بالإمارة وأحبه وحضر مجالس دروسه في شهر رمضان بالمشهد الحسيني فلما استبد بالأمر لم يزل يراعي له حق الصحبة ويقبل شفاعته في المهمات ويدخل عليه من غير استئذان في أي وقت أراد فزادت شهرته ونفذت أحكامه وقضاياه واتخذ سكنًا على بركة جناق أيضًا ولما بنى محمد بك جامعه كان هو المتعين فيه بوظيفة رئاسة التدريس والإفتاء ومشيخة الشافعية وثالث ثلاثة المفتين الذين قررهم الأمير المذكور وقصر عليهم الإفتاء وهم الشيخ أحمد الدردير المالكي والشيخ عبد الرحمن العريشي الحنفي والمترجم وفرض لهم أمكنة يجلسون فيها أنشأها لهم بظاهر الميضاة بجوار التكية التي جعلها لطلبة الأتراك بالجامع المذكور حصة من النهار في ضحوة كل يوم للإفتاء بعد إلقائهم دروس الفقه ورتب لهم ما يكفيهم وشرط عليهم عدم قبول الرشا والجعالات فاستمروا على ذلك أيام حياة الأمير واجتمع المترجم بالشيخ صادومة المشعوذ الذي تقدم ذكره في ترجمة يوسف بك ونوه بشأنه عند الأمراء والناس وأبرزهم لهم في قالب الولاية ويجعل شعوذته وسيمياه من قبيل الخوارق والكرامات الى أن اتضح أمره ليوسف بك فتحامل عليه وعلى قرينة الشيخ المترجم من أجله ولم يتمكن من إيذائهما في حياة سيده فلما مات سيده قبض على الشيخ صادومة وألقاه في بحر النيل وعزل المترجم من وظيفة المحمدية والإفتاء وقلد ذلك الشيخ أحمد بن يونس الخليفي وانكسف باله وخمد مشعال ظهوره بين أقرانه إلا قليلًا حتى هلك يوسف بك قبل تمام الحول ونسيت القضية وبطل أمر الوظيفة والتكية وتراجع حاله لا كالأول ووافاه الحمام بعد أن تمرض شهورًا وتعلل وذلك في عشرين شعبان من السنة وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بتربة المجاورين ومن مؤلفاته أعراب الآجرومية وهو مؤلف نافع مشهور بين الطلبة وكان قوي البأس شديد المراس عظيم الهمة والشكيمة ثابت الجنان عند العظائم يغلب على طبعه حب الرياسة والحكم والسياسة ويحب الحركة بالليل والنهار ويمل السكون والقرار وذلك مما يورث الخلل ويوقع في الزلل فإن العلم إذا لم يقرن بالعمل ويصاحبه الخوف والوجل ويجمل بالتقوى ويزين بالعفاف ويحلى باتباع الحق والإنصاف أوقع صاحبه في الخذلان وصيره مثلة بين الأقران‏.‏ وفي